يوما ما ذهبت من بيروت الي اليمن. بعد بضعة ساعات وجدت نفسي في صنعاء وضعت الشنطة في اليمن السعيد ونزلت اسرح في شوارع المدينة القديمة حتى وصلت الباب الكبير.
من كان يتخيل ان اليمن ستكون مقبرة الأمريكان؟
حين كنت أسرح في شوارع صنعاء وجدت شعب عربي من حولي؛ أولئك العرب الذين كان جدي يقص عنهم القصص. عرب الكرم والشجاعة والنخوة. عرب بكل معنى الكلمة. قبل سفري إلى اليمن حذرني بعضاً من بني أمي في لبنان أنني يجب أن آخذ حذري في ذلك المكان البعيد الذي ما زال يعيش في عصور مضت. لكني لا اهتم بكلام بني أمي المهوسين بالشكل والزي والمعيار الغربي للجمال. نحن في لبنان نحذر بعضنا البعض حين ينتقل الواحد منا في بيروت من منطقة الي أخرى. أو من شارع إلى شارع. خلال الحرب الاخيرة على لبنان كان قسم من اللبنانيين يرددون ان الحرب هناك. ”عندهم“. في بعض الاحيان هناك قد يكون اخر الشارع او في العمارة الملاصقة. لكن هذه مشكلتنا ولا دخل لليمنين بها. حين كنت في اليمن شعرت بنوع من الوطن وإلفة بين الناس لم اعرفها في لبنان. لا تصنع ومحاولة تقليد ببغائي للغرب في اليمن.
حين دفق طوفان غزة فتح الحزب جبهة الإسناد وانتشر رجال الله على طول الحدود في جنوب لبنان. ثم هب اليمن من بين العرب في الخليج وصاح السريع: بيان صادر عن القوات المسلحة اليمنية! لم نكن نتوقع تبخر مصر والأردن عن الخريطة من حول فلسطين. فجأة اختفيا البلدان المجاوران. فص ملح وداب! وحين عادوا للظهور على الخريطة وجدناهم ينقلون الاكل والخضار للصهيوني الجار. يا اخوان شو صار؟ قالوا الخيانة خيار. صار ما صار تسربت قطر وطردت قادة القرار.
من كان يتخيل اليمن من عمق الجزيرة تغلق ام الرشراش وتعيد وتكرر: لن نتخلى عن فلسطين! يقول ضابط بحري انكل سامي: لم نتعرض لقتال وكثافة نارية مثل التي ضربنا بها اليمن منذ الحرب العالمية الثانية.
أصلاً من كان يجرؤ؟ اليمن فعلها بجدارة. اليمن يجرؤ. ذلك اليوم حين صاح طرمب: سنسحق اليمن ولن يغرقوا المزيد من بواخرنا بعد هذه الضربة. أجدب. لم يصمد اكثر من ثلاثة أسابيع. أغرقت البوارج والطائرات الحربية في عمق البحر الأحمر وسيفعلها اليمن ويغرق الامبراطورية الينكية إنتقاماً لغزة وأطفالها. اليمن مقبرة الغزاة. اليمن عز العرب. أو بالأحرى اليمن هم العرب. هم العرب الأحياء وسط دول مجلس تهافت الأموات.
عاش اليمن حراً عزيزاً مستقلاً والنصر لليمن ولكل أحرار الأمة. يوما ما كنت في صنعاء مضغت القات وعشقت أهل اليمن.
